الثلاثاء، 1 سبتمبر 2015

فصال الرضيع ( تكتبه ضيفة المدونة تمارا حسن)

كنت قد أشرت فى موضوع سابق الى وضع حدود حول مسألة الرضاعة خاصة للاطفال الدارجين (من 1 ل 3 اعوام) و تفضلت تمارا حسن بالرد على ما كتبت من واقع تجربتها مع ابنتها:


أشكرك يا ميادة.. 
بالمناسبة قرأت الحوار الشيق بين جانيت وآني.. ومن واقع تجربتي التي ما زلت أخوضها في ارضاع ابنتي رضاعة طبيعية ورعايتها وتربيتها بشكل حميم حيث تنام في سريري وكنت أحملها بالحمالة وأرضعها خارج المنزل وأحقق لها اح
تياجاتها وقلما تبكي وإن بكت فلوقت قصير.. من واقع تجربتي أقول لك بأني أميل لتوجه آني.

احترت كثيرا من قبل فيما اذا كان توجهي في رعاية ابنتي سليما.. الى أن تدبرت قول الله تعالى بشأن الفصال..ولاحظي الكلمة التي اختارها رب العالمين لتعليمنا بشأن المسألة.. الفصال.. فالأمر ليس مجرد فطام أو توقف عن الرضاعة كمصدر للطعام بالمعنى الظاهري.. ولكن الأمر يقتضي فصالا عاطفيا ونفسيا للطفل والأم معا.. لأن الرضاعة من الأم ليست مجرد ارضاع للاطعام أو للاسكات!!!! 
بل الرضاعة صلة عاطفية عميقة وتعلق نفسي وروحي من نوع خاص جاء كامتداد للتعلق الذي بدأ في الرحم عندما كان الطفل علقة..متصلة ومعلقة بجدار الرحم ! 
الفصال مرحلة جديدة في حياة الطفل ظاهرها فطام الرضاعة وباطنها انتهاء مرحلة التعلق اللصيقة والحميمة بالأم وبدء أولى خطوات مرحلة جديدة لهذا "الطفل المشبع" في عالم مستقل نسبيا..حيث يحين الوقت الذي نبدأ فيه بوضع قواعد بشأن تلبية الاحتياجات وما يصح وما لا يصح في قضاء احتياجاته .. ويبدأ اتصال عاطفي ونفسي وروحي جديد بين الأم والطفل..مميز ومختلف .

بصراحة تعجبت من نظرة جانيت للرضاعة الطبيعية حيث بدت من خلال تعبيراتها نظرة جافة ومجردة من المعاني الأمومية العميقة.. رأيتها لا ترى إلا ظاهر العملية المادي.. فتساوي بين الرضاعة الطبيعية من الأم وبين "الببرونة" و "السكاتة"!!! تعبيراتها جاءت فجة بصورة صادمة مما جعلها بنظري تجانب الصواب .

نعم ابنتي لا تقضي وقتا طويلا بعيدا عني في اللعب مثل الطفلة الأخرى في عائلتنا التي لم ترضع طبيعيا وبدأ فصالها باكرا.. وتركض إلي باكية عندما تتألم تبحث عن السكن والأمان لأحضنها فيريحها ويسكن ألمها (ولا أقول يسكتها!!) أن ترضع مني.. كم كان لرضاعتها مني بفضل الله تعالى فائدة عظيمة أثناء أوقات التسنين المؤلمة.. وعندما تمرض.. وعندما تقع.. فهذه كلها أحداث غريبة عن ما ألفته في الرحم.. وكنت أرى وأحس كم كانت تحتاج للسكن والطمأنينة أثناء اختبارها للألم والضيق.. ولم أجد مطلقا شعورا دنيويا يماثل سعادتي بأن أكون مصدر السكينة والأمان والسلام لها .

ابنتي متعلقة كثيرا بي بشكل يرهقني جدا ويجعلني كثيرا في أوقات التعب والرهق أتساءل وأسأل إن كنت أخذت القرار الصحيح.. لكن عندما أراها كيف تكبر وكيف ينضج مستوى وعيها ومشاعرها أعود لأطمئن.. وهذه الطريقة بالرعاية أراها متسقة مع مشاعري وأحاسيسي لذا فمهما قيل لي أو قرأت من معارضات أتذكر كلام طبيب يعالج بالطب الطبيعي وهو يقول لي " الأم بغريزتها تعرف أكثر" .

أختي الكبرى رضعت بتعلق لثلاث سنوات وأنا لم أرضع طبيعيا بالمرة.. حسنا.. أختي الكبرى أكثر أخواتي تحملا للمسؤولية وأقوى شخصية من حيث تحمل الصعاب ومصائب الحياة.. وشخصيتها اجتماعية كثيرا وهي دوما تبادر بالوقوف الى جانب الآخرين لتقديم يد العون.. بينما أنا لطالما كنت الأكثر عزلة والأقل رغبة في مخالطة الناس.. .. هي تربت "تربية حميمة" بحكم كونها الطفلة البكر.. وأنا تربيت تربية بقواعد وتركت لأبكي وأريح نفسي بنفسي.
نعم العالم بحاجة للتنوع في الشخصيات .. ويوجد مؤثرات كثيرة تلعب دورا في تنمية الشخصيات ولكن ما أريد قوله أن الفترة الأولى من حياة الطفل لا بد فيها من رعاية حميمة ممتلئة بالمشاعر والحنان والاحتواء والحرص على قضاء حاجاته الحسية والنفسية والعقلية بشكل فيه مراعاة لكونه وافد من عالم آمن كامل بلا تعب ولا نصب اعتاد فيه على تلبية كل احتياجاته .. فهو ما زال رضيعا وإن تجاوز العام والنصف.. وما زال قادما جديدا من عالم الروح والغيب والرحم.. وما زال معلقا بأمه كما كان في رحمها ولكن بفارق أن تعلقه خارج الرحم يكون بحبل الحنان والحب والرحمة والمؤازرة اللامحدودة واللامشروطة.. الى أن يحين وقت الفصال .

حمله وفصاله في ثلاثين شهرا .. أما من أراد التمام فحولين كاملين للرضاعة التي بنهايتها تبدأ مرحلة الفصال (بالتوقيت القمري لعمره).. وقد امتلأ الطفل وتم اشباع حاجاته تماما بقدر استطاعة الأم طبعا.. وتعرف على عالمه الجديد بشكل جيد فاكتشف الألم والحر والبرد والجوع وكثير من أحوال الدنيا .. وبذا أصبح مستعدا للانتقال الى مرحلة القواعد.. التي تبدأ رويدا رويدا.. مرحلة مستقلة عما سبقها .

عدم وجود أم أو عدم تمكن الأم من ارضاع طفلها لا يعني أن الطفل سيكون مصيره سيئا.. بل ربما الصعوبات يراد بها له شأن عظيم الله تعالى يهيؤه له.. أما نحن فنسعى لعمل ما بوسعنا في رعاية الطفل وتربيته تربية سليمة توافق فطرته وحاله وفطرتنا.. بكل الحب والحنان والتفاني..تربية ترضي الله تعالى.

وبرأيي أن الطفل الأول بشكل خاص يكون له شأن مختلف عن بقية اخوته.. وغالبا لو تهيأت باقي الظروف بشكل سليم فستكون شخصيته احتوائية لباقي اخوته الأصغر منه.. ولا بأس فلنستمع لصوتنا الداخلي ونبحث في ديننا عن أي هدي يعيننا ونستعين بالله تعالى نسيلهمنا رشدنا. 
وأنا أظن بأن الله تعالى إن رزقني بطفل آخر فلن يكون له نفس الحظوة بنفس الطريقة.. وهذا أمر طبيعي علينا تقبله حيث تفرغ الأم لطفل ليس كتفرغها لطفلين أو ثلاثة أو أكثر فضلا عن مسؤولياتها الأخرى .. 


وعلى فكرة .. لاحظت في الشهرين الماضيين تعلقا أقل أو استقلالا أكبر وكأنها بشكل طبيعي وتدريجي تتهيأ للفصال .. أمورها تتطور " ببطئ" في نظر جماعة " خليها تبكي" عندما يقارنوا بينها وبين أطفالهم المنفصلين منذ الولادة أو بعد بقليل.. وكنت خائفة قبل أشهر مضت.. ولكني لاحظت ان تطورها خطواته متئدة وراسخة وبشكل مميز بارك الله فيها.. 

وعلى فكرة (تانية smile emoticon ) لست مهتمة بأنشطة المنوتسوري إلا بشكل محدود جدا.. فأنا أميل أكثر لإشباعها باللعب الحر واشباع الجانب الروحي والخيالي و العاطفي والنفسي عامة خلال أول سبع سنوات . 

فقط أمنيتي أن أجد لها بيئة طبيعية تستطيع أن تتفاعل معها بشكل يحافظ على فطرتها النقية ويبقيها على اتصال مع آيات الخلق.. 
آيات الله تعالى

هناك تعليقان (2):

  1. كلام ممتازانا كمان على نفس المنهج وان الرضاعة الطبيعية حق الطفل ورزقه وكفاية لمسة الطفل الحنونة ليكي وهوه بيرضع

    ردحذف
  2. ماشاء الله جميل استمري انا ابني ٣شهور بس تايهه ومحتاجه تقويم كتير عشان اتعلم اتعامل معاه

    ردحذف